أ.سليمان بن صالح المطرودي
مصطلح الشفافية مصطلح جميل ورنان يتغنى به الكثيرون مع "وقف التنفيذ"!
والشفافية تعني البيان والوضوح، وخلق بيئة تكون فيها المعلومات متاحة ومفهومة، وعكسها التعتيم والسرية، والشفافية لا تعني الإفصاح عما هو سري ويجب حجبه لمصالح عليا، خاصة المعلومات الشخصية المتعلقة بالأفراد، إلا بحدود ما تحدده الأنظمة ويتطلب كشفه وبيانه في حالات محددة، وما عدا ذلك فيجيب حمايتها من كافة الممارسات غير المهنية، بأي صورة كانت.
والشفافية ذات قيمة عالية وليست شعارًا في تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف، الذي يحثنا على الصدق والأمانة في كل تعاملاتنا وعلى مختلف الأصعدة.
كما أن الشفافية مبدأ ذا قيمة في التعاملات الاقتصادية والاستثمارية والإدارية لأي منظمة ناجحة، وهي أحد أهم ركائز الحوكمة، وهي سلاح فعال لمحاربة الفساد المالي والإداري، وإساءة استخدام السلطة.
قصة:
حدثني أحد الزملاء، بأن أحد المسؤولين في المنظمة التي يعمل بها، كان يتحدث له عن الشفافية وأهميتها، ويشتكي بأن المسؤولين في هذه المنظمة يفتقدون الشفافية.. يقول زميلي، كان لي موضوع لدى هذا المسؤول، وتأخر ولا أعلم ماذا تم بشأنه، وعندما فتح موضوع الشافية وأسهب فيه، يقول: قلت: هذه فرصة لأعرف ماذا تم بشأن موضوعي، يقول: فسألت هذا المسؤول عما تم بشأن موضوعي لديه، يقول: فتلعثم المسؤول، وقال موضوعك لدى الوزير ولا أعلم ماذا تم بشأنه، يقول فقلت له: أخبرني هل تمت الموافقة أم الرفض؟ فقال: لا أستطيع أن أقول لك حتى يأتي رد معالي الوزير، فقلت له: لعلك تخبرني من منطلق الشفافية التي تتحدث عنها آنفًا، عندها نادى المنادي للصلاة، فقال المسؤول: حيا على الصلاة حيا على الفلاح، فكانت الصلاة مخرجًا جميلاً من الشفافية!
لو أدرك المُتغني بالشفافية ما تهدف إليه، لما حاد عنها قيد أنملة.
الشفافية تهدف إلى أهداف سامية، وتؤدي لتحقيق قيم قيمة، فمنها:
- التخلق بأخلاق وآداب الإسلام، ومنها الصدق والأمانة في القول والعمل.
- نشر القيم الفاضلة في بيئة العمل والمجتمع.
- تحسين صورة المنظمة وإبرازها في مجالات الإصلاح ومناهضة الفساد.
- تفعيل الأنظمة واللوائح والقرارات بكل شفافية.
- التمكن من تحديد مواطن القصور ومعالجتها.
- الكشف عن مواطن الفساد المالي والإداري، والعمل على علاجها وتلافيها.
- الحد من الغموض والضبابية في الإجراءات وآلية اتخاذ القرارات.
- زيادة الثقة بين الرئيس والمرؤوس في بيئة العمل.
- توفير الوقت والجهد والتكلفة وتحقيق الإنجاز الذي تنشده المنظمة دون أي إرباك أو فوضى أو تأخير.
ولنتذكر أن رؤية المملكة 2030 تنتهج الشفافية:
(لن نتهاون أو نتسامح مطلقاً مع الفساد بكل مستوياته، سواء أكان مالياً أم إدارياً. وسنستفيد من أفضل الممارسات العالمية لتحقيق أعلى مستويات الشفافية والحوكمة الرشيدة في جميع القطاعات. وسيشمل ذلك اتخاذ كل ما هو ممكن لتفعيل معايير عالية من المحاسبة والمساءلة، عبر إعلان أهدافنا وخططنا ومؤشرات قياس أدائنا ومدى نجاحنا في تنفيذها للجميع. وسنعمل كذلك على توسيع نطاق الخدمات الإلكترونية وتحسين معايير الحوكمة، بما سيحدّ من التأخير في تنفيذ الأعمال، وتحقيق هدفنا في أن نقود العالم في مجال التعاملات الإلكترونية).
تعزيز قيمة الشفافية لا تبدأ بالموظف، ولا المسؤول، بل هي غرس عظيم، يبدأ من براعم الطفولة بالبيت، والمدرسة، والجامعة، والحي، والمسجد، والمجتمع، والمنشأة التي ينتمي إليها وظيفيًا، فالكل معني بغرس وتعزيز هذه القيمة، ولكل مرحلة طريقتها وقواعدها ونظمها التربوية الصحية والفعالة، وهذا لا يعني أن نتخلى عن دورنا في تعزيز قيمة الشفافية في تعاملاتنا.
أما تحميل المسؤولية جهة دون جهة، وتخلي جهة عن دورها، فهو سلوك سلبي يعزز الأخطاء والممارسات التي تؤدي إلى الفساد الإداري والمالي..
وكم هو جميل ورائع أن تتبنى الجامعة السعودية الإلكترونية، ممثلة بشخص مديرها سعادة أ. د/ عبد الله بن عبد العزيز الموسى، برنامجًا توعويًا تثقيفيًا لتعزيز الشفافية، وتعزيز قيمتها لدى منسوبي الجامعة، من خلال برنامج يعكف على إعداده نخبة من منسوبي الجامعة، الذين يتميزون بالإبداع في إعداد الخطط والبرامج الفعالة والمثمرة وتحقيق الأهداف، لتكون الجامعة نواة منشأة ذات شفافية فاعلة، والشفافية لدى منسوبيها قيمة عالية لا يساومون عليها.
وتظل الجامعة السعودية الإلكترونية صرحًا علميًا وإداريًا وإبداعيًا وشفافًا متميزًا في كل جوانبه.